كلّ هذا ليس من أجل المال، لكنّها المبادئ. يقول النّاشط.
أنا لا أنزل قصائدي على فايس بوك من أجل جمع “اللايكات”، هو الملل لا غير. يقول الشّاعر وهو يفكّ ربطة عنقه كما يفعل مريضٌ بالقلب في مسلسل مصريّ.
أنا لا تهمّني السّلطة، لكنّها طبيعة المرحلة. يقول المثقّف وهو يهرب من الكاميرا.
أنا مع السّود والمثليّين وحرّية المرأة والماريخوانا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وطلبة هونغ كونغ وأسرى فلسطين/ وضدّ داعش وبوكو حرام والتّهريب والتّعذيب وإنزال العلم وغاز الشّيست والعولمة والرقابة…
أطلقتُ حملةً من أجل توفير درّاجةٍ هوائيّة لكلّ طفلٍ إفريقيّ كيْ يهرب من الإيبولا. ليس من أجل عيون أنجلينا جولي، بل هي الإنسانيّة.

المثقّف إنسانيّ ومهذّبٌ وحسّاس بالضّرورة. يضع كوفيّة فلسطينيّة حول عنقه ويمشي ببطئٍ متصنّعا الإحترامَ وهو يبتسم للفراغ معتقدا أنّه الإنسان الأهمّ. ينهر صديقته التي ترمي غلاف الشّكولا على الرّصيف، ويأخذ قطعة منها ليضعها على غصن شجرة من أجل العصافير الجائعة في غابة الإسمنت الموحشة.
المبادئ تصيب المثقّف بالتّخمة دائما: مبادئ تحت الوسادة ومبادئ في حبّة الفستق وتحت الأظفار وفوق الخزانة وخلف صورة البروفيل وتحت السّوتيان وفي حقيبة الظّهر وفي كلّ مكان… مبادئ ذائبة في فناجين القهوة وأخرى في كؤوس الويسكي… السّجائر والجيوب محشوّة بالمبادئ كذلك، المال مجرّد ورقٍ للفّ القنّب الهندي، الجنس رقصة الدّيك المذبوح والفنّ هو أن تركض تحت المطر كي تلحق الحافلة الصّفراء.
ليست زُبدةً، إنّها المبادئ التي تنام بين قطعتيْ البسكويت.
المثقّف الأصلع يذهب إلى البار كلّ ليلة كي يصبح صحافيّا، المثقّف الفوضويّ يذهب إلى حفلة الرّوك أند رول ليمسح عرق الجميلات، والمثقّف المتحظّر يذهب إلى المسرح البلديّ ليشرب القهوة المرّة.
المثقّفون فئات وطبقات أيضًا: يفرّقهم المظهر وتجمعهم المبادئ.

صحافيّ “الفري لانس” مثقّف أيضا. يحمل الكاميرا طوال الوقت ويطارد الفقراء وسكّان القمامة والمجانين. يصلّي خلسة من أجل تأتي الطّائرة وتقصف الجميع، ويدعو في كلّ صباح أن تأتي داعش كي تذبح الأطفال وتسبيَ النّساء في صوره كي تباع بثمن أكبر.
لا ليس من أجل المال طبعا، وليس من أجل السّلطة أو الشّهرة أو جمع “اللّايكات”. إنّها الثّقافة والحرّية وحقوق الإنسان… إنّها المبادئ… إنّها الطّلقة الأخيرة من أجل قتل الفراغ.
الفراغ يركب الحافلة مع المثقّف كلّ صباح، يمشي معه في الشّوارع ويقتات من ذقنه المهمل ومن شعره الطّويل….
ذات يومٍ سيخرج رأسه من نافذة الحافلة، وهو يلوّح بكوفيّته في الهواء… وسيصرخ:
أنا هنا أيّها العالم يا ناس يا شعوب التفتوا نحوي
أنا هنا أيّتها الجميلات: تعالوا وخذوا قبلاتي اليابسة بالمجّان
ضعوا لي “لايك” كبيرة جدّا يا قوم، أنا أكذب من أجلكم
تعالوا إليّ أو قولوا لي أين أنتم !
سأبيع كلّ مبادئي لأشتريَ درّاجةً هوائيّة وألحق بكم.