في قريتنا لا نسمّيها ليلة القدر، بل عيد الموتى.
مازلت أتذكّر عندما كنت صغيرا، كانت كل العائلات تطبخ الكثير من اللّحم في ذلك اليوم ويجمعوننا نحن الأطفال كي نأكل ثم يطلبون منا أن ندعو لموتاهم بالرّحمة/ يقولون أنّ الموتى يعودون إلى ديارهم في هذا اليوم من كل سنة. كان جميع صغار القرية يفعل ذلك ماعدا إبراهيم وأنا: كنّا نأكل في كل بيت ثم نمدّ ألسنتنا في وجوه أهله ونهرب وسط هيستيريا من الضّحك.
إبراهيم علّمني أن أفعل ذلك، وعلّمني أشياء أخرى كثيرة أيضا.

كنا لا ننام… نخرج كل صباح إلى بساتين الجيران كي نسرق محاصيل اللّوز والمشمش، وعندما لا نجد شيئا كنّا نأخذ دجاجة ونذبحها بقطعة زجاج ثم نشويها خلف الحقول، كان إبراهيم يحمل علبة ثقاب تحت جواربه دائما وكان يدخّن وأنا صرت مع الوقت أدخّن معه نصف سيجارة بعد أن علّمني كيف أتخلص من رائحة التبغ، غير ذلك، كنا نتسكّع طوال اليوم في الشوارع تحت شمس الصيف الحارقة وتحت المطر وفي برد الشّتاء.. عندما نمرّ ببيت جميل كنّا نرمي شبابيكه بالحجارة ثم نهرب بعيدا، وعندما نجد سيّارة راكنة على الرّصيف كنا نخربش طلاءها بسكين مقص الأظافر ثم نفرغ عجلاتها من الهواء، وعندما نرى قمامة كنّا نبعثرها على طول الطريق، وعندما نصطاد عصفورا كنا نقصّ جناحيه وهو حي، وعندما يعترضنا أطفال آخرون كنا نفتكّ ألعابهم ونقودهم ونتركهم يبكون ثم نمضي…

لقد كانت أياما جميلة, لكنّها مضت ولن تعود أبدا: أنا هجرت القرية منذ سنوات وتهت بين شوارع المدن القذرة، وإبراهيم لبس قميصا طويلا وأطلق ذقنه ثم اختفى.
بالأمس رأيت صورته على فايس بوك وهو يضحك قرب مدفع مخيف في سوريا، نفس تلك الضّحكة التي كان يطلقها كل مرة حين يمدّ لسانه في وجه العالم ويهرب.
إبراهيم صديقي أصبح إرهابيّا ببدلة عسكريّة وكلاشنكوف على الكتف.
إبراهيم صار يحتفل كل يوم بعيد الموتى.
إبراهيم صار له رفاق آخرون الآن.
إبراهيم أرسل له كل أسبوع طلبا جديدا للصّداقة… لكنه يرفضها في كل مرّة.